أعلن ديزموند توتو رئيس لجنة التحقيق الدولية الخاصة بمجزرة بيت حانون مؤخرًا، أن استمرار صمت المجتمع الدولي عن حصار غزة عارٌ على المجتمع الدولي، واصفًا ما شاهده من أدلة حول مجزرة العائلة الفلسطينية في بيت حانون قبل ثمانية عشر شهرًا، بجرائم حرب تحتاج إلى تحقيقٍ أوسع وأكثر دقةً، وأضاف: إن الوضع في غزة مُبكٍ، والحصار غير مشروع.
وأخيرًا.. تحدث توتو عما رآه من الحقائق الفاجعات، واصفًا ما شاهده: بـ"العار"، ونحن نتساءل: عارٌ على مَن؟!.. على المجتمع الدولي الصامت؟! أم على المجتمع العربي والإسلامي النائم؟!.
المجتمع العالمي الصامت!
ألم يشاهد العالم الأجساد التي تفحَّمت لأطفالٍ أبرياء وهم يلهون جرَّاء الصواريخ "الإسرائيلية"؟! ألم يسمع العالم صرخاتٍ لم تتوقف من رُضَّعٍ أَخْرسَت ضحكاتِهم جدرانُ بيوتهم المُدمَّرة؟! ألم يرَ العالم الطائرات المجنونة وهي تستهدف أطفالاً في غارات حاقدة؟! ألم يعِ العالم ما صرَّحت به وزارة الصحة في غزة بأن 70% من المستهدفين من الأطفال؟! ألم يفهم العالم رسالة أطفال غزة الذين خرجوا في شوارعها مستهزئين بالغارات والطائرات والقصف، وهم يرتدون الأكفان، وكأنهم يصرخون في الصمت العالمي: انتبهوا.. نحن نموت؟!.
وإذا كان العالم تفجعه محاولات النَّيْل من حقوق الحيوان، وقامت الجمعيات العالمية للدفاع عن الحيوان، فها هو الحيوان في غزة ينتفض ويوجه رسالةً إلى العالم الذي يحترمه ولا يحترم الإنسان في غزة، يقول فيها: ألم تكن معي مدافعًا؟! قف معي اليوم أمام القصف والقتل).
فقد دعا بعض الناشطين إلى مسيرةٍ للحيوانات بعد فشل المسيرات البشرية، وعلى أجسادهم يافطات تدعو العالم إلى التحرك- وكفاه صمتًا- فهل يستجيب العالم لكلمة الحيوان؟!.
فالصمت لم يصبح صمتًا، بل هو تواطؤ مع الاحتلال الصهيوني في جرائمه البشعة ومجازره الرهيبة، ولا ندري اليوم أندعو لكسر الحصار أم لكسر الصمت العالمي؟!.
المجتمع العربي الغائب؟ .... أين ذهب المجتمع العربي؟!.
لعجيب أن البعض ما زال يدافع عن المجتمع العربي في أنه يقوم بواجباته نحو غزة!، مبررًا ذلك بأنه تربطه مواثيق وعهود مع "إسرائيل"، وأن قرار الحرب مع "إسرائيل" قرارٌ له مسئوليته، قاصدًا من ذلك أن وقوفه إلى جانب غزة هو حرب ضد "إسرائيل"!.
في حين يرى البعض أن الجريمةَ لا تستطيع الدول العربية التنصُّل منها، وقد تساءل البعض: "أين الجيوش العربية التي باتت اليوم متواطئةً تمامًا مع العدو الصهيوني والمشروع الأمريكي بصمتها وكأنَّ الأمرَ لا يعنيها؟!".
ونحن بدورنا نتساءل: ماذا يريد المجتمع العربي من الفلسطينيين؟! ماذا يتوقع المجتمع العربي مما يحدث في غزة من مجازر؟! كيف تكون الأشكال المطلوبة من مقاومة المحتل وهو يَذبح ويُحاصِر ويَسفك الدماء ويهدم ويدمِّر؟! ما النتائج التي أعلن عن فشلها عباس أكثر من مرةٍ حتى يستمر في لقاء أولمرت؟!.
البعض يقول: دعونا نترك الصمت العربي ونتحدث عن الوحدة بين الفلسطينيين، والعجب في هذا الأمر: هل حضر العرب بعد طولِ غيابهم، فيبادرون بوحدة فلسطينية؟! وهل رفضت- لا سمح الله- فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس، هذا الاتحاد؟! أم كانت هي الداعية إلى الوحدة بل والمبادرة إلى الآن؟!.
فإن كان الصمت العالمي جريمةً لصالح الاحتلال؛ فالغياب العربي جريمةٌ أشدُّ منها؛ لأنه إنهاءٌ للمقاومة وتصفيةٌ للقضية الفلسطينية.
إن غياب المجتمع العربي هو في الحقيقة غيابٌ للضمير العربي الذي يرى ويشاهد ويعي ما يحدث من عارٍ على المجتمع الدولي، فهل هو عار على الضمير العربي أيضًا؟!.
وحينما نقول "غياب ضمير" فما الذي حلَّ محله غير النفاق والجري وراء المصالح الأمريكية الفاضحة والسياسة الصهيونية المعادية؟!.
هذا هو العالم العربي المفترض أن أبناء فلسطين جزءٌ منه، وأن القدس والأقصى من أسس عقيدته، وأن فلسطين قطعةٌ من مجده وتاريخه المنهوب.. فمتى يعود الضمير العربي؟!.
المجتمع الإسلامي النائم
حينما عمروا الأرض ونشروا دين الله، هل كان جهادهم ضد المستعمر؟! أم من أجل فتح أسواق جديدة؟! أم لكسب المال وتحقيق مصالح مادية بحتة؟! هل نسي العالم الإسلامي أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- علَّم الأمة: "مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"؟!.
فلمَّا ضيعت الأمة جهادها، ومن ثَمَّ عزتها وكرامتها، اجترأت عليها الأمم مجتمعةً، وعلى رأسها الصهاينة، الذين طُردوا من كل بقاع الأرض، فلم يجدوا مكانًا غير ديارنا الإسلامية!.
ولذلك فإن المعركة مستمرة، ولن تتوقف، ولن تهدأ؛ لأنهم يواصلون حربًا بعد حرب, ويهددون بالأسلحة النووية، ويعربدون في دمائنا كما يحلو لهم دون اعتبار، فلم يجدوا رادعًا عن اغتصاب الأرض وسفك الدماء وتشريد الأبرياء وتخريب الديار.
ثم يتي هذا الحصار الخانق، وهذا السجن والاعتقال لمليون ونصف المليون من شعبنا المسلم في غزة، فماذا فعل المسلمون لإخوانهم الذين يزدادون- رغم ضراوة المعركة- صلابةً وقوةً، ولم يتخلَّوا عن نهج المقاومة والجهاد أمام السبات العميق من أمتهم المسلمة؟! أين أمة المليار التي تمتد من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، ومن إندونيسيا إلى موريتانيا؟!.
ليس لهم ولو كلمة خافتة؛ لأنهم نائمون.. ليس لهم ولو صرخة هادئة؛ لأنهم نائمون.. ليس لهم ولو صوت خجول؛ لأنهم نائمون.. فمن يوقظ الأمة النائمة لتعلن: "لا للهوان.. لا للجوع.. لا للظلم.. لا للمذابح؛ "فالمسلم أخو المسلم؛ لا يُسلمه ولا يخذله ولا يظلمه"؟!.
فهل يستجيب المسلمون لنداءِ الله أفرادًا وجماعات؟!؛ فالأمل في أمة الإسلام وفي ضمير أبنائها المؤمن، وفي وجدانهم التقيّ، بأن يقوموا بواجبهم ليغيثوا إخوانهم في غزة ما أمكنهم إلى ذلك سبيلاً.
فهل يُغيث المسلمون إخوانهم في غزة حقًّا؟.
الإثنين 18 مايو 2009 - 10:21